Image result for rip nokia

صحيح ان التكنولوجيا الجديدة تمكن الشركات من الصعود و التميز و النجاح بما يتجاوز احيانا أضعاف ما يمكن تحقيقه بنفس التكنولوجيا المستخدمة كما ذكر رئيس ماكنزي ريتشارد فوستر في كتابه Innovation: The Attacker's Advantage في أمثلة الثمانينات و السبعينات التي ذكرها والتي مازالت تتكرر ، الا ان الشركات تفشل احيانا في التعلم من الماضي ووضع استراتيجيات لاستغلال التطور التكنولوجي لصالحها لأسباب عديدة و خصوصا ما تحدث عنه بروفيسور كلايتون كريستنزن من جامعة هارفرد في وصفه للتكنولوجيا المدمرة disruptive technology ، في كتابه الشهير The Innovators Dilemma حيث تحدث عن كيفية صعود التكنولجيا الجديدة بصيغة ضعيفة في البداية لا يهتم بها الا صغار الشركات و يهملها الكبار بسبب ظنهم بمحدودية أدائها حسب مقاييسهم التقليدية و ضعف مردودها المادي الحالي و صغر سوقها ، لكن سرعان ما تنشر و تتطور هذه التكنولوجيا و تستبدل قرينتها من خلال تقديم بل أحيانا خلق سوق جديد وبمواصفات جديدة ، ولقد بنى كلايتون نظريته مستخدما صناعة محرك الأقراص Disk Drive Industry حينها بسبب تطورها السريع مستلهما ذلك من الدراسات الحيوية على الحشرات التي لا تعيش طويلا مثل ذباب الفاكهة.
هناك شبه إجماع على أثر التكنولوجيا في تحقيق نجاحات خارقة للشركات و تدمير أخرى ولو كانت عملاقة ، عدا عن العامل الاجتماعي و فهم العلاقات والشبكات الخارجية كما ذكر جريج ساتل في شرحه لكيفية حصول التدمير في الأعمال Disruption من ذلك المنظور، لكني سأركز هنا على الجانب المؤسسي و تناغم المستويات الادارية من خلال قصتين لشركتين بمستوى عالمي ووزن كبير هما نوكيا Nokiaو بلوكبستر Blockbuster. نوكيا التي كانت في "عزّها" تسيطر على ٤٠٪‏ من حصة سوق الموبايل و ما زلت أذكر كيف كان الأكاديمين الذي درسونا في الماجستير في جامعة نوتنجهام سنة 2013 يتغنوا بأمثلة من نوكيا و خصوصا في موضوع سهولة الاستخدام و أثره في نجاح نوكيا الكاسح (على الأقل من وجهة نظرهم)! ، لقد كانت نوكيا امبراطورية تساهم بما مقداره ربع النمو الاقتصادي الفنلندي وتشكل العمود الفقري لكل شي ولقد وثق مؤخرا مراسل بي بي سي للاعمال واقع الحياة في بلدة نوكيا التي سميت الشركة على اسمها بعد سقوطها المدوي ، هكذا اهتزت نوكيا فجأة و سقطت بشكل سريع لأسباب عديدة فنّد بعضها جوليان بيركنشو في مقالته بمجلة فورتيون وربما بعكس ما يمكن أن تتوقع.
صحيح ان أيفون أبل و نتفلكس هم من كان وراء "التدمير" للشركتين على الترتيب، الا ان أصحاب الشركتين والموظفين حاولوا ان يستدركوا لكن يبدو أن التناغم الاداري خذلهم ، و الغريب أن كل واحدة منهن حدث بطريقة مختلفة. ففي حالة نوكيا تجنب المدراء المتوسطين و من خلفهم المهندسين و الفنيين إيصال الرسائل التحذيرية لمدرائهم التنفيذين و الادارة العليا بسبب خوفهم من عنجهية المدراء التنفيذين و تعنيفهم المستمر لمن يصدح بعكس ما يعتقدون في أنهم سيستمرون في نجاحهم ضمن نفس توجهاتهم ، فجبال الأرباح العالية أعمت أبصارهم وأدى ذلك الى التأخر في الانتقال الى المرحلة الجديدة وتكنولوجياتها الضرورية للنجاح حسب ما ذكر بروفيسور كيو هيوا من جامعة أنسيد .
اما في حالة بلوكبستر فكان العكس تماما حيث ان المدير التنفيذي جون انتيوكو حاول أن يكفر عن خطئه الاستراتيجي برفض صفقة الخمسين مليون دولار لشراء نتفلكس التي أصبحت قيمتها اليوم تتجاوز ٣٢ بليون ، فحاول تدارك الخطر القادم والتحول الرقمي الجارف في كل مجال ، من خلال الاستثمار بمشاريع ذات علاقة ضمن استراتيجية جديدة تركز على التجارة الالكترونية لكنه واجه معارضة داخلية بقيادة أحد المستثمرين الكبار ومجلس الإدارة حسب ما كتب بنفسه في مجلة هارفرد ووقف فريقه امامه من المدراءه ولم يساعدوه و تمسكوا بما تعودوا عليه و أغفلوا جهلا او كسلا او حتى غرورا ، فطرد جون و افلست الشركة بعده بثلاث سنوات ولا نعلم إن كانت استراتيجية اخر رمق كانت ستؤتي أكلها ام لا !
لعل التعلم من أخطاء العمالقة فيها دروس كبيرة لا يمكن انكارها و لما فيها من أدلة عملية لاتخاذ المبادرات الاحترازية ، و في ما عرضناه يظهر أهمية التناغم الاداري بين كافة المستويات لتجنب المخاطر الناتجة عن التغير التكنولوجي و استغلال الفرص التي قد يتيحها هذا التغير. هذه احد الفوائد المهمة في هذا المجال لكن بالتأكيد ان التناغم سينعكس بفوائد عديدة فيما يتعلق بالإنتاجية و الجودة بل حتى رضى الزبون سيرتفع اذا تم تمكين الموظفين و مشاركتهم كما بين ستيفين بورغ في مقالته بهذا الشأن ، وبالتأكيد نجاح شركة زابوز الباهر أكير دليل . لكن هذا يتطلب أكثر من سياسات مكتوبة بل ثقافة روح فريق و بيئة عمل تعزز حرية التفكير و الابداع و تحدي نموذج العمل الحالي و النظر الى المستقبل و التعلم المستمر كما أبهرتنا قصة ملهمة و"مدمرة" أخرى في مجال الأعمال و هي شركة واربي باركرالتي أسسها طلاب كلية وارتون في جامعة بينسلفانيا سنة 2010 و التي تمكنت خلال خمس سنوات من تجاوز جوجل و فيسبوك لتكون أفضل شركة مبدعة في عام 2015.
د. حسام عرمان