الكبر حجاب حاجز للأنوار الإلهية عن القلوب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكبر حجاب حاجز للأنوار الإلهية عن القلوب

    [frame="8 10"]
    {مَجْلِسُهُ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسُ: علمٍ، وَحَيَاءٍ، وَصبْرٍ، وَأَمَانَةٍ}
    ، لا يُدار فيه إلا العلوم، تلاوة القرآن، أو فهم آية من كتاب الرحمن، أو حديث ألهمه به ربه عز وجل في شريعته، أو شرح لحكم شرعي، أو تذكير بقصص الأنبياء السابقين، أو درس في التفكر في آثار قدرة الله في الكائنات.

    هو مجلس علم، ولذلك قال الله في شأن هذا المجلس: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} آل عمران153

    مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم من الآخرة وليست من الدنيا، لا تُذكر فيها الدنيا، ولا شهواتها، ولا أهواءها، ولا نزواتها، ولا كل ما يدور في شأنها، لأن أهل هذه المجالس مشغولين بالكلية بالله، أو بالدار الآخرة التي ينتقلون إليها ليحظوا بلقاء الله جل في علاه.

    ومجلسه مجلس حياء: لا يظهر فيه عورات، ولا فلتات لا تنبغي في اللسان، ولا ألفاظ تخدش الحاضرين، ولا تنكيت على بعض الجالسين، وإنما المجالس كلها حياء من الله، وحياء من حَبيب الله ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم، وطلب العلم ومجالس العلم أهم دعامة لها تحتاج إليها هي الصبر، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه: لكل شيء دعامة ودعامة الإيمان الصبر، وقد ورد عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: {الصَّبْرَ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ}{1}

    فطلب العلم هو أعز بضاعة يتقرب بها العبد إلى مولاه في هذا الزمان، ويحتاج إلى صبر وتصبر دائم.

    حصِّل العلم بعزم صادق لا تكن في العلم كسلان ملول

    والمجالس كما قال صلى الله عليه وسلم: {الْمَجَالِسُ بِالأَمَانَةِ}{2}

    يجلسون في المجلس فإذا قاموا من المجلس: كانوا جميعاً كأنهم لم يجلسوا كتماناً لما استمعوا إليه في المجلس من الأحاديث الخاصة، ولا ينشرون إلا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنشره، وهذا ما يتعلق بشرع الله، أو بكتاب الله، أو بما ينبغي فعله من العبد نحو مولاه جل في علاه.

    ولذلك كان شعار الصالحين دوماً في مجالسهم: نحن قوم نجلس مع الله فإذا قمنا من المجلس فكأننا لم نجلس، حفظاً للسر وكتماناً له.

    وعندما تتصفح سِيَر الصحابة الكرام –حتى الأطفال والنساء منهم – تعجب إلى خُلُقهم العظيم في كتمان الأسرار، لأن من أراد أن يكون من الأبرار لا بد أن يحفظ الأسرار، حتى يجعله الله خزانة عليه لأسرار الله في هذه الدنيا الدنية، فكانت المجالس بالأمانات لا يُذاع منها ولا يُشاع منها شيء.

    {لا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْوَاتُ}، لأنهم عملوا بقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الحجرات2

    كانوا لا يتنازعون عنده صلى الله عليه وسلم في أي أمر، لقوله صلى الله عليه وسلم: {لا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ}{3}

    لا ينبغي أن يكون هناك تنازع بين شخصين، أو بين فئتين في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، أو من ينوب عن حضرة النبي صلوات ربي وتسليماته عليه.

    بل كانوا لا يتكلمون إلا همساً، فعندما نزلت هذه الآية قالوا: مع أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان جهوري الصوت إلا أنه كان لا يتكلم إلا مساررة، حتى كان صلى الله عليه وسلم يستبين كلامه، تأدباً بالأدب الذي أدَّبهم به الله جل في علاه.

    {وَلا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ} لا تُنتهك فيه الحرمات، أي الأعراض والمسالب والمخازي، لا يُقال فلان فعل كذا، أو فلان أصاب كذا، أو فلان حاله كذا.

    {وَلا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ} أي لا تُشاع فلتاته، أي لو جرت في المجلس فلتة من رجل في كلمة، أو فلتة من رجل في تصرف يسترونه ولا يُشيعونها عنه، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يُعلِّمهم ويقول لهم: {مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}{4}

    {مُتَفَاضِلِينَ مُتَعَادِلِينَ فِيهِ بِالتَّقْوَى} ميزان التفاضل وميزان العدل بين أصحاب المجالس النبوية قول الله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الحجرات13

    ليس كميزان الدنيا، بالأموال أو الجاه أو السلطان أو العائلات أو الأحساب أو الأنساب، وإنما كان سلطان التقوى هو الذي يتفاضلون به، وهذا هو نهج السادة الصالحين أجمعين إلى يوم الدين.

    {مُتَوَاضِعِينَ}، وهذا كان خلة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما زاد الله عبداً بتواضع إلا رفعة، والتواضع لين الجانب لإخوانه، ونفي الكِبْر، فأخطر مرض يحجب الإنسان عن الأسرار الإلهية والأنوار الربانية الكِبْر، ولذلك يقول الله فيه: {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} غافر56

    الذي عنده شيء من الكِبر لا يبلغ شيئاً مما عند الله، ومن أراد أن يحظى بفتح الله وعطاءات الله لا بد أن يكون متواضعاً كما كان سيدنا رسول الله والصالحين من عباد الله أجمعين. بل إن جهاد النفس الذي كان يوجِّه له العارفون المريدين كان الغرض الأعظم فيه انتزاع الكِبر والعُجب من نفس الإنسان حتى يصير متواضعاً على نهج النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.

    {يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ}، وهذا الذي قال فيه البشيرالنذير صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ}{5}

    وأي مجتمع اختلفت فيه هذه القيم تعرض للخلل، وضاع فيه وجاهته ونضارته وحضارته، لأن حضارة الأمم تُقام بالقِيم، ولا قيم إلا التي جاء بها الإسلام، وأولها توقير الكبير، والعطف على الصغير ورحمته، ويكفي قوله صلى الله عليه وسلم: {لَوْلا شَبَابُ خُشَّعٌ، وَبَهَائِمٌ رُتَّعٌ، وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ، وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ، لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا}{6}

    رحمة الله تأتي بسبب الأطفال الصغار، والشيوخ الكبار، والبهائم السائمة التي لا تغفل عن ذكر الله طرفة عين ولا أقل، وحبَّب النبي صلى الله عليه وسلم الشباب في ذلك فقال: {مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ}{7}

    أي كالحديث الآخر: {وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ}{8}

    ما يعمله الشباب مع الشيوخ يدخره الله لهم عندما يصيرون شيوخاً، ويوجِّه الشباب للعناية بهم كما اعتنوا هم بمن قبلهم من الشيوخ: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} الفتح23

    {وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ}، عندهم إيثار، كلهم يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم مصالح تجول في صدورهم، لكنهم كان كل واحد منهم يُؤثر أخاه على نفسه، ويجعله يبدأ بعرض حاجته قبله، وأنتم تعلمون أن الله مدح الأنصار فقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الحشر9

    {وَيَحفظونَ الْغَرِيبَ}، يحفظون له غربته، يُقدمونه، ويواسونه، ويجعلون له الوجاهة في المجلس، ويُقدمون له واجبات الضيافة، ويهتمون به غاية الإهتمام حتى يشعر أنه في بلده وفي وطنه.

    تلكم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه.



    {1} الإلماع إلى علم أصول الرواية للقاضي بن عياض {2} مسند الشهاب عن علي بن أبي طالب {3} الصحيحين البخاري ومسلم عن ابن عباس {4} سنن ابن ماجة ومسند أحمد عن أبي هريرة {5} مسند أحمد والحاكم في المستدرك عن عبادة بن الصامت {6} سنن البيهقي والطبراني عن أبي هريرة {7} سنن الترمذي ومسند الشهاب عن أنس {8} المطالب العالية لابن حجر عن أبي هريرة


    [/frame]
    التعديل الأخير تم بواسطة HaMooooDi; الساعة 03-07-2020, 01:08 AM.

المواضيع ذات الصلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 03-18-2024, 06:50 PM
ردود 0
8 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 03-13-2024, 11:08 AM
ردود 0
7 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 03-09-2024, 03:36 PM
ردود 0
19 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 05-16-2023, 12:41 AM
ردود 8
84 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HeaD Master
بواسطة HeaD Master
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 04-07-2023, 05:30 PM
ردود 0
56 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
يعمل...
X