معالجة مياه الشرب

يرجع اهتمام الإنسان بنوعية الماء الذي يشربه إلى أكثر من خمسة آلاف عام . ونظرا للمعرفة المحدودة في تلك العصور بالأمراض ومسبباتها فقد كان الاهتمام محصور في لون المياه وطعمها ورائحتها فقط . وقد استخدمت لهذا الغرض ـ وبشكل محدود خلال فترات تاريخية متباعدة ـ بعض عمليات المعالجة مثل الغليان والترشيح والترسيب وإضافة بعض الأملاح ثم شهد القرنان الثامن والتاسع عشر الميلاديان الكثير من المحاولات الجادة في دول أوربا وروسيا للنهوض بتقنية معالجة المياه حيث أنشئت لأول مرة في التاريخ محطات لمعالجة المياه على مستوى المدن .

ففي عام 1807م أنشئت محطة لمعالجة المياه في مدينة جلاسكو الأستكلندية ،وتعد هذه المحطة من أوائل المحطات في العالم وكانت تعالج فيها المياه بطريقة الترشيح ثم تنقل إلى المستهلكين عبر شبكة أنابيب خاصة . وعلى الرغم من أن تلك المساهمات تعد تطورا تقنيا في تلك الفترة إلا أن الاهتمام آنذاك كان منصبا على نواحي اللون والطعم والرائحة ، أو ما يسمى بالقابلية ، وكانت المعالجة باستخدام المرشحات الرملية المظهر السائد في تلك المحطات حتى بداية القرن العشرين . ومع التطور الشامل للعلوم والتقنية منذ بداية هذا القرن واكتشاف العلاقة بين مياه الشرب وبعض الأمراض السائدة فقد حدث تطور سريع في مجال تقنيات المعالجة حيث أضيفت العديد من العمليات التي تهدف بشكل عام إلى الوصول بالمياه إلى درجة عالية من النقاء ، بحيث تكون خالية من العكر وعديمة اللون والطعم والرائحة ومأمونة من النواحي الكيمائية والحيوية ، ويبين الجدول (1)المواصفات الكيمائية

لمياه الشرب .

معالجة المياه .

لقد كان وباء الكوليرا من أوائل الأمراض التي اكتشفت ارتباطها الوثيق بتلوث مياه الشرب في المرحلة السابقة لتطور تقنيات معالجة المياه ، فعلى سبيل المثال أصيب حوالي 17000 شخص من سكان مدينة هامبورج الألمانية بهذا الوباء خلال صيف 1829م أدى إلى وفاة ما لا يقل عن نصف ذلك العدد . وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن المصدر الرئيس للوباء هو تلوث مصدر المياه لتلك المدينة . يعد التطهير باستخدام الكلور من أوائل العمليات التي استخدمت لمعالجة المياه بعد عملية الترشيح وذلك للقضاء على بعض الكائنات الدقيقة من بكتريا وفيروسات مما أدى إلى الحد من انتشار العديد من الأمراض التي تنقلها المياه مثل الكوليرا وحمى التيفويد . وتشمل المعالجة ، ومن هذه العمليات ما يستخدم لإزالة عسر الماء مثل عمليات التيسير ، أو لإزالة العكر مثل عمليات الترويب .

ونظرا للتقدم الصناعي والتقني الذي يشهد هذا العصر وما تبعه من ازدياد سريع في معدلات استهلاك المياه الطبيعية ،

النقية نوعا ما ، ونظرا لما يحدث من تلوث لبعض تلك المصادر نتيجة المخلفات الصناعية ومياه الصرف الصحي وبعض الحوادث البيئية الأخرى فإن عمليات المعالجة قد بدأت تأخذ مسارا جديدا يختلف في كثير من تطبيقات عن مسار المعالجة التقليدية . وفي هذه المقالة سنستعرض بإيجاز طرق المعاجلة التقليدية لمياه الشرب إضافة لبعض الاتجاهات الحالية والمستقبلية لتقنيات المعالجة .

طرق المعالجة التقليدية

تختلف عمليات معالجة مياه الشرب باختلاف مصادر تلك المياه ونوعيتها والمواصفات الموضوعة لها . ويجب الإشارة الى أن التغير المستمر لمواصفات المياه يؤدي أيضا في كثير من الأحيان إلى تغير في عمليات المعالجة . حيث أن المواصفات يتم تحديثها دوما نتيجة التغير المستمر للحد الأعلى لتركيز بعض محتويات المياه وإضافة محتويات جديدة إلى قائمة الموصفات . ويأتي ذلك نتيجة للعديد من العوامل مثل :

التطور في تقنيات تحليل المياه وتقنيات المعالجة.
اكتشاف محتويات جديدة لم تكن موجودة في المياه التقليدية أو كانت موجودة ولكن لم يتم الانتباه إلى وجودها أو مدى معرفة خطورتها في السابق.
اكتشاف بعض المشكلات التي تسببها بعض المحتويات الموجودة أصلا في الماء أو التي نتجت عن بعض عمليات المعالجة التقليدية . هذا ويمكن تناول عمليات المعالجة التقليدية المستخدمة للمياه استنادا إلى مصادرها السطحية والجوفية مع التركيز على المياه الجوفية نظرا لاعتماد المملكة عليها مقارنة بالمياه السطحية .
معالجة المياه السطحية :

تحتوي المياه السطحية ( المياه الجارية على السطح ) على نسبة قليلة من الأملاح مقارنة بالمياه الجوفية التي تحتوي على نسب عالية منها ، وهي بذلك بعد مياه يسرة ( غير عسرة ) حيث تهدف عمليات معالجتها بصورة عامة إلى إزالة المواد العالقة التي تسبب ارتفاعا في العكر وتغيرا في اللون والرائحة ، وعليه يمكن القول أن معظم طرق معالجة هذا النوع من المياه اقتصر على عمليات الترسيب والترشيح والتطهير . وتتكون المواد العالقة من مواد عضوية وطينية ، كما يحتوي على بعض الكائنات الدقيقة مثل الطحالب والبكتيريا . ونظرا لصغر حجم هذه المكونات وكبر مساحتها السطحية مقارنة بوزنها فإنها تبقي معلقة في الماء ولا تترسب . إضافة إلى ذلك فإن خوصها السطحية والكيميائية باستخدام عمليات الترويب الطريقة الرئيسية لمعالجة المياه السطحية ، حيث تستخدم بعض المواد الكيمائية لتقوم بإخلال اتزان المواد العالقة وتهيئة الظروف الملائمة لترسيبها وإزالتها من أحواض الترسيب .ويتبع عملية الترسيب عملية ترشيح باستخدام مرشحات رملية لإزالة ما تبقى من الرواسب ، ومن المكروبات المشهورة كبريتات الألمنيوم وكلوريد الحد يديك ، وهناك بعض المكروبات المساعدة مثل بعض البوليمرات العضوية والبنتونايت والسليكا المنشطة. ويمكن أيضا استخدام الكربون المنشط لإزالة العديد من المركبات العضوية التي تسبب تغيرا في طعم ورائحة المياه . تتبع عمليتي الترسيب والترشيح عملية التطهير التي تسبق إرسال تلك المياه إلى المستهلك .

معالجة المياه الجوفية:

تعد مياه الآبار من أنقى مصادر المياه الطبيعية التي يعتمد عليها الكثير من سكان العالم . إلا أن بعض مياه الآبار وخصوصا العميقة منها قد تحتاج ألى عمليات معالجة متقدمة وباهظة التكاليف قد تخرج عن نطاق المعالجة هي إضافة الكلور لتطهير المياه ثم ضخها الى شبكة التوزيع ، إذ تعد عملية التطهير كعملية وحيدة لمعالجة مياه بعض الآبار النقية جدا والتي تفي بجميع مواصفات المياه ، الا أن هذه النوعية من المياه هي الأقل وجودا في الوقت الحاضر ، لذلك فأنه إضافة لعملية التطهير فان غالبية المياه الجوفية تحتاج الى معالجة فيزيائية وكيمائية إما لإزالة بعض الغازات الذائبة مثل ثاني أكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين ، أو لإزالة بعض المعادن مثل الحديد والمغنيز والمعادن المسببة لعسر الماء، وتتم إزالة الغازات الذائبة باستخدام . عملية التهوية والتي تقوم أيضا بإزالة جزء من الحديد والمنغنيز عن طريق الأكسدة ، وقد يكون الغرض من التهوية مجرد كما يحدث لبعض مياه الآبار العميقة التي تكون حرارتها عالية مما يستدعي تبريدها حفاظا على كفاءة عمليات المعالجة الأخرى . أما إزالة معادن الحديد والمنغنيز فتتم بكفاءة في عمليات الأكسدة الكيمائية باستخدام الكلور أو برمنجنات البوتاسيوم .

ان الطابع العام لمعالجة المياه الجوفية هو إزالة العسر بطريقة الترسيب ، ويتكون عسر الماء بصورة رئيسة من مركبات الكالسيوم والماغنسيوم الذائبة في الماء . ويأتي الاهتمام بعسر الماء نتيجة لتأثيره السلبي على فاعلية الصابون ومواد التنظيف الأخرى ، بإضافة الى تكوين بعض الرواسب في الغلايات وأنابيب نقل المياه ويوضح الشكل (1 ) تسلسل العمليات في محطة تقليدية تعالج مياه جوفية تحتوي على نسب عالية من عسر الماء. تعتمد المملكة اعتماد كبيرا على المياه الجوفية لاستخدامها في الأغراض المختلفة ، الأمر الذي ساهم في انتشار محطات معالجة المياه الجوفية في ربوعها المختلفة . وفيما يلي استعراض موجز للعمليات المختلفة المياه الجوفية في هذا النوع من المحطات .