تقبل الذات وإصلاحها.. ألا يعدان شيئين متناقضين وأيهما أهم؟



تطوير الذات موضوع حافل بالتناقضات.. فمن جهة هو يعني التعديل والعمل على تحسين الذات، وفي الوقت ذاته تقبل الذات على ما هي عليه من جهة أخرى؛ وهو تناقض يجعل المسار برمته مربكًا، فما الذي على الشخص فعله، تقبل ذاته أم إصلاحها؟.

بطبيعة الحال البعض قد يقول إن الأمر سهل للغاية، فهو يبدأ من تقبل الذات ثم إصلاحها، ولكن هنا يبرز تناقض أكبر، ألا يعني إصلاح الذات عدم تقبلها على ما هي عليه، ومن ثم إصلاح بعض الأمور هنا وهناك؟ فكل واحد منا يريد أن يكون أفضل نسخة ممكنة، ولكنه في الوقت عينه يريد أن يكون متصالحًا مع الذات، فكيف يمكن الجمع بين التناقضات هذه؟.

أهمية تقبل الذات

يقول عالم النفس والكاتب البريطاني "روبرت هولدن": لا يمكن لجهود تحسين الذات أن تعوض عن عدم تقبل الذات، فهو يرى أنه يمكن للشخص أن يقوم بمئات المحاولات لتطوير ذاته، ولكن جميع المحاولات لا يمكنها أن تعوض عن أمر أساسي وهو تقبل الذات على ما هي عليه.

في عصرنا الحالي نختبر وبشكل دائم تعرضنا لضغوطات عدة تدفعنا إلى ملاحقة نمط حياة جديد صحي أو السعي خلف هذا النمط الأفضل أو ذاك في أي مجال كان مهنيًا أو عاطفيًا أو اجتماعيًا، وهذا ما يقودنا إلى قناعة مفادها بأنه علينا أن نكتسب شيئًا ما قبل أن نتمكن من تقبل أنفسنا على ما هي عليه.

الخطأ الأول الذي نرتكبه جميعنا هو أننا وبمجرد التفكير بضرورة تطوير الذات وإصلاحها فإنه وبشكل تلقائي نكون قناعة مفاداها بأننا نعاني من خطب ما، وللأمانة نحن كذلك، فكل البشر يعانون من خطب ما لأنه لا يوجد أي شخص على هذا الكوكب يتمتع بالمثالية والكمال.

عالمنا يغذي تلك الفكرة، فنحن نحتاج إلى هذا الشيء أو ذاك كي نصبح أفضل، فكروا بالأمر بأسهل أشكاله، الإعلانات التي نشاهدها تجعلنا نشعر بسوء بالغ حيال أنفسنا وتجعل المنتج هو الحل، مواقع التواصل تلعب دورها الكبير أيضًا في حثنا على عدم تقبل ذاتنا والخروج بشكل دائم خاسرين من أي مقارنة كانت.

لذلك الخطوة الأولى هي تقبل الذات على ما هي عليه لأنه لا يمكن تطوير الذات ما لم تتقبل ما أنت عليه، تقبل الذات هو إلقاء نظرة مطولة على كل العيوب التي تملكها ثم القول «حسنًا.. وما المشكلة في ذلك؟».

تقبل واقع أنك لست كاملًا ولست مثاليًّا يعني أنك حين تقرر بأنك تريد تحسين ذاتك؛ فستنطلق من أسس صحية، ولن تنطلق من واقع أنك «معطوب»، ومن ثم تحتاج إلى الإصلاح.

التكافل بين تقبل الذات وإصلاحها

العلاقة بين تقبل الذات وإصلاحها تكافلية، عليك أن تتقبل ما أنت عليه في هذه المرحلة كي تتمكن من النمو، هذا لا يعني أنه عليك أن «تحب» الواقع الذي تعيشه حاليًا أو المكان الذي أنت فيه في هذه المرحلة، ولكن المطلوب هو الاعتراف بالواقع كما هو بحسناته وسلبياته.

تقبل الذات هو الواقعية وليس تجميل الواقع المعيش فهو الاعتراف بأن هناك بعض الأمور التي يمكننا تحسينها، واكتشاف الأمور التي نجد صعوبة في تقبلها.. ثم مقاربتها بعقلية منفتحة وطبعًا الأهم تقبل الرغبة بالنمو والتطور.

كيف تحقق التوازن بين تقبل الذات وإصلاحها

مقاربة الأمر من زواية إيجابية يعني أن تقبل الذات وإصلاحها ينبعان من مكان واقع وهو الاعتبار الذاتي، وهذا يعني أننا نريد أفضل نسخة ممكنة عن أنفسنا لا لأن الآخرين يقومون بذلك، ولا لأننا نحتاج إلى التخلص من قناعتنا بأننا نعاني من خطب ما، بل لأننا نعيش حياتنا مرة واحدة ونريد أن نستغل هذا الواقع لحدوده القصوى بالعيش بأفضل طريقة ممكنة.

لتحقيق التوازن بين الأمرين هناك بعض الأمور التي يمكن لكل واحد منا وضعها بالحسبان والانطلاق منها.

معرفة المكان الذي تنبع منه الرغبة بإصلاح الذات: هل الرغبة هذه تنبع من واقع أنك تريد تحسين حياتك أم من قناعة أنك تعاني من خطب ما؟ إن كانت رغبتك بإصلاح الذات نابعة من الخيار الأول فأنت تسير على الطريق الصحيح، أما إن كانت نابعة من الخيار الثاني فعليك أن تعمل على تقبلك لذاتك ثم تنطلق مجدداً.

البدء من نقاط القوة: يسهل علينا في عملية إصلاح الذات التركيز على نقاط الضعف ولكن المقاربة هذه تثير الإحباط. البداية يجب أن تكون من نقاط القوة وفي الوقت عينه الاعتراف بنقاط الضعف، أي قم بسؤال نفسك عن الأمور التي تسير بشكل مثالي لمصلحتك حالياً؟ وأي نقاط قوة تملكها يمكن استخدامها من أجل تحسين الذات والعمل على نقاط الضعف؟.

تحسين الذات مسار وعر: البعض يخيل إليه بأن عملية إصلاح الذات تشبه عملية زرع البذور والانتظار حتى تنمو، ولكن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك، إصلاح الذات مسار وعر فيه مراحل من الصعود والهبوط ومراحل الانتظار، ولكن كل هذه الأمور هامة، حتى مرحلة الجمود خلال عملية إصلاح الذات هامة، لأنها تجعلك أكثر وعياً لما أنت عليه ولنقاط قوتك وضعفك.

الرحلة وليس الوجهة: الوجهة هي أفضل نسخة ممكنة عن نفسك، ولكن الأمر لا يتعلق بالوجهة فقط فالرحلة أهم بأشواط منها، الحياة هي ليست ما سيحدث بعد ١٠ سنوات، بل هي ما يحدث الآن، يمكنك وضع الخطط الطويلة الأمد، ولكن التركيز عليها بشكل كلي يعني إضاعة «حياتك» الراهنة، التركيز يجب أن يكون على وضعك الحالي

أخطاء شائعة عن احترام الذات.. لا تشغل ذهنك فهذه هي الحقيقة!


لاحترام الذات أهمية كبيرة للغاية، يُمكن اعتباره أنه هدية نُقدمها لأنفسنا، لأننا عندما نحترم ذاتنا فإننا لن نكترث بإرضاء الآخرين أو الحصول على موافقتهم؛ للقيام بهذا الأمر أو ذاك، وسوف نعيش حياة أصلية وحقيقية، ونتعامل مع كل شيء من دون التفكير في آراء الآخرين أو أحكامهم علينا.

علاوة على ذلك، فإنه من الصعب أن نحترم الآخرين أو نحصل على احترامهم إذا لم نكن نحترم أنفسنا، وهذا أمر طبيعي لأن فاقد الشيء لا يعطيه، على سبيل المثال إذا أردت أن تعطي أحدهم المال، فيجب أن يكون في جيبك بعض النقود.

كيفية تقبل الذات

من أجل تقبل نفسك الحقيقية والتعامل معها بغض النظر عن عيوبها عليك القيام ببعض الأمور، أهمها وأولها أن تعرف كيف تسامح نفسك وتتقبلها، امضِ قُدماً، ابذل بعض المجهود كي تتمكن من التغاضي عن ما مررت به من مواقف مؤلمة، وتجاوز الأخطاء التي اقترفتها.

أبعد نفسك عن الأشخاص السلبيين، وأي إنسان تشعر بأنه يجرك إلى الأسفل أو يسحبك إلى الخلف؛ وعوضاً عن ذلك اقترب من الأشخاص الإيجابيين الداعمين الذين يقدمون لك يد العون دائماً، ويساعدونك على رؤية أفضل الأمور في نفسك.

ومن الضروري أن تعرف كيف تتغلب على جلد الذات، وتكف عن انتقاد نفسك بلا رحمة، وأن تعرف كيف تتعامل مع الأخطاء على أنها دروس تتعلم منها، وتساعدك على النمو والنضج.

كُن عطوفاً مع نفسك، كُن رحيماً بها، هناك اعتقاد شائع بأن التعاطف مع النفس أمر خاطئ؛ لأنه ينم عن أنانية أو شيء غير مُستحق، ولكنه على العكس تماماً فهو أمر شديد الأهمية لتطورنا ونضجنا.

الفرق بين احترام الذات وتقدير الذات

كما أوضحنا فإن احترام الذات هو أحد أشكال حُب النفس، أما تقدير الذات فهو مُصطلح يُستخدم في علم النفس للإشارة إلى إحساس الشخص العام بقيمة نفسه، أو بمعنى آخر هو قياس لمقدار حبك لنفسك، وغالباً ما يُنظر إلى تقدير الذات على أنه سمة شخصية، ما يعني أن الشخص الذي لديه قدر كبير من تقدير الذات يكون أكثر استقراراً وأماناً.

خطوات تقدير الذات

توجد عدة خطوات عليك القيام بها كي تستطيع تقدير ذاتك بصورة أفضل، وفي ما يلي نستعرضها:

لا يوجد أحد مثالي

الكل لديه عيوبه ومشكلاته الخاصة، فلا يوجد أحد مثالي، لذا لا تسعى إلى أن تكون مثالياً لأنك سوف ترهق ذاتك من دون أي طائل، حاول أن تتقبل نفسك كما هي ولا تسعى إلى الكمال.

احتفل بالإنجازات الصغيرة

احتفل بالإنجازات مهما كانت صغيرة وإذا تعامل معها البعض على أنها أشياء تافهة، حتى إذا كنت تمكنت من إعداد فطار شهي، ولم تحرق الخبز أثناء تحميصه.

كُن صديقاً جيداً

كونك صديقاً جيداً تقدم يد العون والمساعدة لأصدقائك، أن تكون شخصاً يُعتمد عليه ومحل ثقة سوف يمدك بمشاعر إيجابية عن نفسك، ويساعدك على زيادة تقديرك واحترامك لذاتك.

افعل ما يجعلك سعيداً

إذا قضيت وقتك في القيام بالأشياء التي تجعلك سعيداً فسوف تكون أكثر إيجابية، ومع الوقت سوف يزداد تقديرك لذاتك؛ ابحث عن ما يجعلك تشعر بالسعادة والرضا عن النفس وافعله، سواء كان ذلك طهي الطعام، قراءة الكتب، مشاهدة الأفلام، أو السفر.


ركز على ما تستطيع تغييره

من السهل أن تشعر بأنك مُحتجز داخل دائرة من الأشياء التي لا تستطيع التحكم فيها أو السيطرة عليها، ولكنك في هذه الحالة لن تحقق أي إنجاز، عوضاً عن ذلك ركز على الأمور السهلة التي تستطيع تغييرها بسهولة، وفكر في ما يمكن أن تفعله جيداً لجعل حياتك أفضل.

أهمية تقدير الذات

يلعب تقدير الذات دوراً كبيراً في تحفيزك وتحقيقك للنجاح، والعكس صحيح فإن تدني تقديرك لذاتك سوف يقوض فرص نجاحك، ويعيقك عن الوصول إلى ما تريد.

يساعدك تقدير الذات على الوصول إلى ما تحلم إليه من دون أن يتشتت انتباهك إلى شيء آخر، ومن دون السماح لأي شيء بمنعك من الوصول إلى ما تريد، فأنت عندما تُقدّر ذاتك لن تسمح لأي شيء أو أي شخص بالحط من شأنك أو منعك من تحقيق ما تطمح إليه.


أخطاء شائعة عن احترام الذات

توجد بعض أخطاء شائعة عن احترام الذات ومن بينها:

احترام الذات لا يعني أنك إنسان مثالي

بالتأكيد احترام الذات أمر رائع، ولكنه لا يعني أنك إنسان كامل ومثالي، وبأن لديك كافة المقومات التي تساعدك على عيش حياة هانئة، من الطبيعي أن تمر بأيام سيئة وتعيش مواقف صعبة حتى إذا كان لديك قدر كبير من احترام الذات.


احترام الذات يأتي من الفوز وليس المعاناة

فكر في الأمور التي تفتخر بها أكثر من أي شيء آخر في حياتك، تلك التي تثق فيها لأن هذه الأمور هي التي سوف تمدك بالشعور بالأمان، وهي التي سوف تساعدك على أن تكون أكثر ثقة بنفسك، احترام الذات ينبع من الفوز والإنجازات وليس المعاناة التي تمر بها.

احترام الذات لا يعني أنك إنسان أناني

في بعض الأحيان يظن الناس أن احترام الذات هو وجه آخر للأنانية، لذا تجد هؤلاء الأشخاص يفرطون في حقوقهم، ويسكتون عن الإيذاء الذين يتعرضون له في بعض الأحيان.